الاثنين، 10 نوفمبر 2008

حول ظاهرة الانتهازية

(جريدة " المسار" – غشت 1985 )
في ذكرى روح الفقيد الرفيق عبد الغني بوستة السرايري



منابعها و أشكالها الأساسية

لنعرف في البداية بالانتهازية كظاهرة، بشكل موجز و مبسط : إنها اتخاذ الفرد( أو المجموعة) مواقف سياسية أو فكرية لا يؤمن بها، في سبيل تحقيق أو حماية مصالح ذاتية انية. و تبعا لذلك، يغير هذا الفرد ( أو المجموعة) مواقفه السياسية و اختياراته حسب تغير الظرف، من أجل أن ينسجم مع الظرف الجديد أملا في الحصول على مصلحة موجودة.

و الانتهازيون يعادون و يناقضون الصراحة، و هذا ما يميز ممارستهم عن ممارسة الطبقات الرجعية الواضحة، المعادية للتغيير و التقدم. إذ أن لهذه الطبقات التي تدافع عن القديم أو عن الواقع الراهن عادة، مذهب سياسي، و عقيدة مستمدة من شكل المجتمع الذي تقوده و تريد له البقاء. أما الانتهازية فليس لها أي مذهب أو عقيدة أو نظرية محددة، فهي تقول اليوم ما تنقضه غدا. و تقول غدا ما تتخلى عنه بعد غد...إنها تكتفي بالمواقف السياسية اليومية النفعية، و إن تبنت شكليا عقيدة ما، فإنما لخدمة هذا الموقف السياسي أو ذاك، و هي قادرة على التخلي عن كل المذاهب دفعة واحدة إذا ما اقتضت مصلحتها الظرفية ذلك.

و الانتهازية تنبع من طبقة اجتماعية محدد، أو مهنة معينة ، أو قطاع محدد من المجتمع. بل إنها تظهر في صفوف كل الطبقات و جميع المهن و تخرج من جميع المذاهب و الأحزاب السياسية : يجمع في ما بين أفرادها السعي لتحقيق المصالح الذاتية بواسطة التلون السياسي و الفكري.

و يمكن للأفراد الذين تتجلى فيهم هذه الصفة الشخصية أن يتجمعوا في شكل هيئة أو حزب أو تكتل، و لكن ذلك لا يجعل منهم طبقة أو ممثلين لطبقة معينة، بل مجرد تجمع مؤقت تقتضيه الظروف.

فكما أن مواقف الفرد الانتهازي من الأوضاع السياسية والقانعات الفكرية شيء مؤقت و متلون، و قابل للتغيير، كذلك تجمع الأفراد الانتهازيين في هيئة أو حزب أو تكتل شيء مؤقت، يزول بزوال الظروف التي اقتضته، أو يرجع ثانية بنفس الشكل أو بشكل آخر إذا ما استجدت الظروف,,,و هكذا, و بما أن الانتهازي كفرد، يغير موقفه السياسي و الفكري حسب تغيير مصلحته، فإنه مؤهل لتغيير موقفه من الانتهازيين الآخرين حسب تغير تلك المصلحة أيضا. و هذا هو القانون الذي يحكم علاقات الانتهازيين ببعضهم و يعطي لتكتلاتهم و تحالفاتهم صفة عدم الثبوت و التلون المستمر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق