السبت، 15 نوفمبر 2008

حول ظاهرة الانتهازية

(جريدة " المسار" – غشت 1985 )
في ذكرى روح الفقيد الرفيق عبد الغني بوستة السرايري



منابع الانتهازية و أشكالها

و لكن ما هي المصادر التي تنبع منها هذه الظاهرة، أو من أين يأتي الانتهازيون في المجتمع ؟

قلنا سابقا، أن الانتهازي يمكن أن يخرج من مختلف الطبقات ة المهن، و لكن بالرغم من ذلك ، هناك منابع رئيسية للانتهازيين، و أوساط تنبثق خصائص الانتهازية أكثر من غيرها، بحكم تأثير عوامل سنأتي على ذكرها. و يمكننا حصر المنابع الرئيسية للانتهازية بشكل إجمالي كما ياي :

أولا : مما لا شك فيه أن الطبقة الوسطى تشكل المنبع الرئيسي للانتهازية، و إذا كان ما يميز هذه الطبقة في "البلدان المتخلفة" كون حدودها غير واضحة و متحركة بحكم عدم استقرار أوضاع البورجوازية المحلية، فإن ما يميزها أيضا هو أنها تشمل فئة هامة من الأفراد الذين يعيشون بطرق غير مشروعة ( قياسا بالقانون السائد نفسه) تقوم على الاحتيال واقتناص الفرص التجارية و الصفقات المشبوهة، و السمسرة و الوساطة و غيرها من الوسائل. و هذه الفئة تعمل في ميادين التجارة و المقاولات والتهريب و المضاربة بالأراضي، و تحاول دائما الالتصاق بالطبقة السائدة، و أن تكون لها معها علاقات نفعية بشتى الوسائل كالترغيب و الرشوة. إلا أن هذه الفئة ليست ببورجوازية بالمعنى الصرف للكلمة، بل أنها تعيش على حافة هذه الأخيرة، و تخلط نشاطها الاقتصادي بالأساليب لا مشروعة السالفة الذكر.

و قد تدخل عناصر هذه الفئة الحياة السياسية، و تشارك في التأييد أو المعارضة، لتحقيق مصالحها الخاصة أو لحمايتها، و تؤيد هذا الحزب أو هذا السياسي المحترف، أو ذاك الزعيم... و تغير مواقفها إذا ما تغير ميزان القوى السياسي في البلاد. و قد لا تكتفي بذلك، بل تذهب إلى منح تأييدها للأفكار و المذاهب، رغم أن ذلك يكون غالبا بدون فهم.

إن هذه الفئة من الطبقة الوسطى تشكل مصدرا مهما لظهور الانتهازيين بشكلهم البدائي، ذلك أنها عادة ما تتسم بقلة الثقافة و بدائية الأساليب ... إن همها الأساسي هو تحقيق المصالح المادية و النفوذ العائلي أو الجوي، و الوصول إلى ذلك بالطرق غير المشروعة، الشيء الذي يحتاج إلى حماية "السياسيين"... و بالتالي، فإن أهدافها السياسية غالبا ما تكون محدودة أو منعدمة ما دام الانتماء أو النشاط السياسي ليس هدفا في حد ذاته بالنسبة إليها أو وسيلة أساسية، بل إنه مجرد حماية...

ثانيا : و تشكل أوساط البورجوازية الصغرى و خاصة فئة المثقفين أو أشباه المثقفين مصدرا هاما لبروز مادة الانتهازية خاصة في البلدان المتخلفة، دلك أن سلاح الثقافة في مجتمع يغلب عليه الجهل و الأمية يساعد أشباه المثقفين ذوى الاستعدادات الانتهازية على استغلال النفوذ الذي يجلبه لهم موقعهم داخل المجتمع، لتحقيق مصالح آنية شخصية على حساب الشعب الذي تربوا و ترعرعوا في أحضانه. و للتوضيح فليست هي العامل الذي يولد الانتهازية، بل و كما أسلفنا اتخاذ الانتهازي مواقف لا يؤمن بها لخدمة أهدافه الذاتية. و تتواجد هذه الفئة في قطاعات عدة، سواء داخل جهاز الدولة، كموظفين متملقين ساعين وراء الترقيات الرواتب و المنافع المادية، أو خارجه، كمهن حرة، أو كمستخدمين و أطور في قطاع الرأسمال الخاص.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق